سورة الروم (30)
الدرس (5)
تفسير الآية: (21)
لفضيلة الدكتور
محمد راتب النابلسي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علماً ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون مع الدرس الخامس من سورة الروم .
نظام الزوجية من آيات الله الكبرى :
وصلنا في الدرس الماضي إلى قوله تعالى :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾
( سورة الروم )
أيها الأخوة لا بدَّ من مقدمةٍ لمثل هذه الآيات ، من أجل أن تسعد في الدنيا والآخرة لا بدَّ من أن تعبد الله ، ومن أجل أن تعبده لا بدَّ من أن تعرفه ، ومن أجل أن تعرفه لا بدَّ من أن تُفَكِّرَ في آياته ، لو أردت معرفة إنسان يمكن أن تلتقي به ، وتحدِّثه ، وترى صورته ، وتقرأ كتابه ؛ ولكنك إذا أردت أن تعرف خالق الكون ، ليس من طريقٍ إلى معرفته إلا الطريق الاستدلالي ، لأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار ولكن يُعْرَفُ بالعقل ، والله سبحانه وتعالى خلق العقل على مبادئ متوافقةٍ مع مبادئ خلق الكون ، فإذا أعمل الإنسان عقله في الكون عرف رب الكون ، والذي يؤكد هذا الكلام أن الله عزَّ وجل في هذه السورة يذكر آياته العديدة :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ (21) ﴾
الشيء الآخر ، أن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود ، وهناك مستحيل الوجود ، أي مستحيلٌ أن يكون الجزء أكبر من الكل ، هذا مستحيل عقلاً ، والله سبحانه وتعالى واجب الوجود عقلاً ، ما سوى المستحيل والواجب هناك الممكن ، فالكون كله ممكن ، ممكن أن يوجد وأن لا يوجد ، أو أن يوجد على هذه الشاكلة أو على شاكلةٍ أخرى ، إذاً كان من الممكن أن يَخْلُقَ الله الناس كلهم دفعةً واحدة ، دون نظام الزوجية ، دون ذكر وأنثى ، دون إنجاب أولاد ، البشر كلهم يُخْلَقون دفعةً واحدة ، ولكن شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن نوجد في الأرض تِباعاً على نظام الزوجية ، يبدو أن نظام الزوجية آيةٌ كبرى من آياته جلَّ جلاله .
الطريق الاستدلالي هو الطريق الوحيد لمعرفة الخالق :
قال تعالى :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ (21) ﴾
الحقيقة مقدمة ثالثة وهي : أن الآيات كثيرة ، بعضها قريب وبعضها بعيد ، أقرب الآيات إليك نفسك التي بين جَنْبَيْكَ ، لهذا ربنا عزَّ وجل يقول :
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ﴾
(سورة فصلت : من آية " 53 " )
أول فكرة من مقدمات الدرس : لا بدَّ من أجل أن تسعد في الدنيا والآخرة من أن تعبد الله عزَّ وجل ، والعبادة بنص القرآن الكريم خُلِقْنَا من أجلها .
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِي(56)﴾
(سورة الذاريات )
العبادة طاعةٌ طوعيةٌ ممزوجة بمحبة قلبية تسبقها معرفةٌ يقينية تفضي إلى سعادةٍ أبدية ، هذه السعادة أساسها الطاعة مع المحبة ، وهذه الطاعة مع المحبة أساسها المعرفة ، معرفة الله عزَّ وجل لا بدَّ إلا أن تكون عبر قناةٍ واحدة ، هي القناة الاستدلالية عن طريق العقل ، لكن هذه القناة واسعة جداً ، فالطريق إلى الله عزَّ وجل ، إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق :
وفي كل شيءٍ له آيةٌ تدل علـى أنـه واحـد
***
الآيات على أنواع منها ما هو قريب ومنها ما هوبعيد :
أي شيءٍ نظرت إليه يدلك على الله ، إلا أن الآيات على أنواع ؛ منها ما هو قريب ومنها ما هوبعيد ، فلو حدثتك عن مجرةٍ بعدها عن الأرض كذا ألف سنة ضوئية ، وحجمها كذا ، وقوامها كذا ، وكثافتها كذا هذه آية ، ولكن إذا حدثتك عن نفسك التي بين جنبيك ، وعن جسدك ، وعن أعضائك ، هذه آيةٌ قريبةٌ جداً .
الفكرة الثالثة : كان من الممكن أن نأتي دفعةً واحدة ، بلا نظام الزوجية ، بلا ذكرٍ وأنثى ، لأن الكون كله ممكن ، ولكن شاءت حكمة الله عزَّ وجل أن نأتي على نظامٍ صَمَّمَهُ الله عزَّ وجل وهو نظام الزوجية ، أن يكون البشر ذكراً وأنثى ، وأن يقترنوا ، وأن ينجبوا الأطفال ، وأن تنمو المجتمعات ، وأن يكون الإنسان مفتقراً إلى الطعام لبقاء جسده ، ومفتقراً إلى الزوجة لبقاء نوعه ، ومفتقراً إلى العمل الصالح لبقاء ذكره ، لا بدَّ من أن يبقى جسدك إذاً تأكل وتشرب ، وأن يبقى نوع البشر إذاً لا بدَّ من التزاوج ، وأن تبقى سعيداً في جنةٍ عرضُها السماوات والأرض إذاً لا بدَّ من العمل الصالح ، فإذا أكلت فلبقاء جسدك ، وإذا تزوَّجت فلبقاء نوعك ، وإذا عرفت الله عزَّ وجل وأطعته وعملت الصالحات فلبقاء ذكرك إلى الأبد في جنةٍ عرضها السماوات والأرض .
الآن آية اليوم :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾
(من) هذه من أدوات اللغة العربية ، حرف جَر ، لكن لهذا الحرف معانٍ عِدَّة ، فمن للتبعيض ، ومن للبيان ، ومن لابتداء الغاية ، هنا (من) بعض آياته ، أي أن آياته ليست عشرة وهذه واحدة منها ، آياته لا تعد ولا تحصى ، آيات كلمة جمع .
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ (21) ﴾
الآيات جمع آية ، والآية معناها العلامة ، الله عزَّ وجل لا تدركه الأبصار ، ولكن مما يدلُّ على وجوده ، مما يدل على علمه ، مما يدل على قُدرته ، مما يدل على حكمته ، مما يدل على رحمته ، مما يدل على لطفه أن خلق لكم ، فمن للتبعيض ، والآيات جمع آية ، والآية هي العلامة الدالة على الشيء .
للآية التالية عدة معان :
قال تعالى :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (21) ﴾
المعنى الأول : أن السيدة حواء أم البشر خلقت من ضلع آدم عليه السلام ، هذا هو المعنى الأول ، فما من شيءٍ أقرب إليك من ابنك لماذا ؟ لأنه منك مثلاً ، أقرب كائن إليك هو ابنك لأنه منك ، كان جزءاً منك ، ما من مخلوقٍ أقرب إلى المرأة من ابنها لأنه جزءٌ من جسمها انفصل عنها بالولادة ، جزءٌ منها ، فإذا أردنا أن نعبر عن شدة التناسب ، وشدة الالتصاق ، وشدة الانسجام لا بدَّ من أن نستعمل كلمة (من) ، من أنفسكم ، هذا هو المعنى الأول .
المعنى الثاني : أن ماء الحياة الذي أودعه الله في الإنسان منه يتشَكَّلُ الذكر والأنثى ، والآية تقول :
﴿ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾
(سورة النجم)
إذاً هذه المرأة هي من الرجل ، بالتعبير العلمي من مائه ، وماؤه إما أن يتشكل تشكلاً على شكل أنثى أو على شكل ذكر .
أما المعنى الأوسع والأقرب إلى معنى هذه الآية : أن الله عزَّ وجل كما خلق لك فكراً خلق لزوجتك فكراً ، كما خلق لك قلباً ينبض بالأحاسيس خلق لها قلباً ينبض بالأحاسيس، كما خلق لك عيناً ترى بها جمال الأشياء خلق لها عيناً أيضاً ترى بها جمال الأشياء ، فلو جئت بذكرٍ وأنثى لرأيت الأعضاء إلى حدٍ ما والأجهزة ؛ السمع ، البصر ، الشم ، النُطق ، اللسان ، الفكر ، الأيدي ، الأرجل ، الحركات ، من مخلوقٍ واحد في الأساس فبين الذكر والأنثى نقاط تشابه كثيرة جداً هي سبب الانسجام ، وفي نقاط تكامل هي سبب الانسجام ، إذا التقت النقاط المتشابهة بين الذكر والأنثى كان هذا سبيلاً إلى الانسجام بينهما .
هناك انسجام وتكامل بين بُنية جسم المرأة والرجل :
إذا تكاملت الصفات بينهما ؛ هو مفتول العضلات وهي ذات خطوطٍ أخرى ، هو يغلب عقله على عاطفته وهي تغلب عاطفتها على عقلها ، هو يدرك الأشياء البعيدة وهي تعيش لوقتها ، هناك نقاط لقاء بين الزوجين الذكر والأنثى ونقاط خلاف ، لكن نقاط الخلاف هذه متكاملة ، أي أن كل طرفٍ منهما مفتقرٌ إلى ما عند الثاني ويكمل نفسه بالطرف الآخر ، والطرف الآخر مفتقرٌ إلى ما عند الأول ويكمل نفسه بالطرف الآخر ، فصفات المرأة والرجل إما هناك انسجام ، خمسة أصابع ، عينان ، أذنان وغير ذلك ، أو هناك تكامل بين بُنية جسم المرأة والرجل ، إذاً هذا معنى قوله تعالى :
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (21) ﴾
لو أن الإنسان ينجب طفلاً من مخلوقٍ آخر ليس من بني البشر ، مثلاً هل هذا ممكن ؟ يقول لك الآن : طفل أنابيب ، هي عملية نقل الماء إلى رحم المرأة ، يقول لك : عقل إلكتروني هذا حاسب ، آلة حاسبة معقدة جداً ، أما أن تقول : عقل ، فلا توجد محاكمة ، إذاً معنى :
﴿ مِنْ أَنْفُسِكُمْ (21) ﴾
أي أن المرأة مشابهةٌ للرجل ، كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ )) .
[من سنن الترمذي : عن "عائشة"]
الصفات إما متوافقة أو متكاملة بين الزوجين وهذا أدعى إلى الانسجام والسكنى :
الشيء المختلف متكامل ، إما أن هناك صفات متوافقة ، أو صفات متكاملة ، وهذا أدعى إلى الانسجام ، وإلى السكنى ، وإلى الأنس ، وإلى ما سيذكره الله عزَّ وجل في هذه الآية :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا (21) ﴾
الحقيقة ربنا عزَّ وجل يَخْلِقُ عند الإنسان حاجة ثم تلبى هذه الحاجة في جهةٍ ما ، نحن لا نشعر ، فالإنسان يأنس بزوجته ولكن من خلق في نفسك نقصاً وافتقاراً إلى الجنس الآخر ؟ الله سبحانه وتعالى ، ومن خلق فيها نقصاً وافتقاراً إلى الجنس الآخر ؟ الله سبحانه وتعالى ، إذاً معنى السكنى ، هناك فرق بين أن تسكن فيه وتسكن إليه ، أنا أسكن في هذا البيت ، (في) للظرفية ، أسكن فيه ، أما أسكن إليه ، للأشياء المعنوية ، فالإنسان إذا كان في بيته ومع أهله وأولاده يشعر بالطمأنينة ، يشعر بالراحة ، لو سافر إلى مكانٍ بعيد ومعه أهله وأولاده يطمئن ، هذا سر ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : المرء حيث أهله ، والمرء حيث رحله .
الإنسان معلق بشيئين ـ طبعاً الإنسان العادي ـ معلق بأهله وماله ، المرء حيث أهله ، والمرء حيث رحله ، إذاً :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (21) ﴾
أي أن نعم الله كثيرة ، نعم الهواء ، ونعم الماء ، ونعم الصحة والأعضاء ، ومن هذه النعم الجليلة أن الله سبحانه وتعالى خلق فيك هذا النَقْصَ الذي لا تتممه إلا المرأة ، وخلق فيك هذا الافتقار الذي لا يسكنه إلا المرأة ، لو أن الآية : أن الرجل عنده افتقارٌ إلى الجنس الآخر ، والجنس الآخر ليس عنده افتقارٌ إلى الرجل ، الحياة لا تقوم ، الحياة تفسُد ، تصبح الحياة شقاءً ، لولا أن الله عزَّ وجل جعل في كل طرفٍ فراغاً وافتقاراً وحاجةً إلى الطرف الآخر لما رأيت زوجين على وجه الأرض ، هذه النقطة قَلَّمَا ينتبه إليها الناس ، كل طرفٍ فيه نقصٌ وافتقارٌ وحاجةٌ إلى الطرف الآخر ، والطرف الآخر فيه نقصٌ وافتقارٌ وحاجةٌ إلى الطرف الآخر ، فإذا التقيا كان الانسجام وكانت السكنى ، سكن إليه غير سكن عنده وغير سكن فيه ، سكن إليه أي ارتاح إليه ، لهذا النبي عليه الصلاة والسلام أمر الخُطَّاب أن ينظروا إلى مخطوباتهم قال :
(( انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا )) .
[من سنن الترمذي : عن " المغيرة بن شعبة"]
يجب أن تنظر إليها كي يتم هذا الانسجام وتتحقق هذه الرغبة .
(لتسكنوا إليها) هذه آية لكنها جُزء من مجموعة آيات :
قال تعالى :
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21)﴾
الحقيقة (لتسكنوا إليها) هذه آية ؛ لكن هذه الآية جُزء من مجموعة آيات ، فأن تطبقها وحدها قد لا تنجح فيها ، يتممها آية ثانية :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾
(سورة النور : من آية " 30 " )
لو الإنسان قرأ هذه الآية وحدها لقال لك : التي عندي لا تعجبني ، لا أرتاح لها ، مثلاً لم أحسن اختيارها ، يقول لك : والله أنا لا أسكن إليها ، نقول له : القرآن جُمْلَةٌ من الأحكام والأوامر والنواهي ، لا يمكن أن تأخذ آيةً وحدها بمعزِل عن بقية الآيات ، الله عزَّ وجل أمرك أن تغض بصرك :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾
(سورة النور : من آية " 30 " )
إذا نفذت الآية الثانية ترى أن هذه الآية حقيقة فعلاً ، الله عزَّ وجل مكافأةً لمن يغض بصره عن محارم الله يلقي في قلبه حب زوجته ، يراها أجمل النساء ، يرتاح إليها ، يسكن إليها ، هذه الآية من لوازمها الآية الثانية ، وربنا عزَّ وجل وصف القرآن الكريم بأنه مثانيَ ، أي أن كل آيةٍ تنثني على أختها فتفسرها ، فمن أجل أن تكون الزوجة سكناً كما أراد الله عزَّ وجل ، يجب أن تطبق الآية الثانية :
﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾
(سورة النور : من آية " 30 " )
وأطهر .
طاعة الله تخلق مودة بينك وبين أهلك :
الشيء الثاني أن الله عزَّ وجل يقول :
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
معنىجعل بمعنى خلق ، أوضح هذه الآية بالقصة التالية : أعرف رجلاً مقيماً في بلد عربي ، يأتي كل عام شهراً إلى بلده الشام ، ويحاول أن يخطب فتاةً يحبها وتعجبه ، أول عام ما وفِّقَ إلى فتاةٍ تعجبه ، أمضى شهراً وعاد بخفي حُنَين ، وعاد في السنة الثانية ، والثالثة ، الشيء الدقيق أنه في السنة الرابعة أو الخامسة لا أذكر ، بقي الأسبوع الأول والثاني والثالث ودخل الرابع وبقي لمغادرة بلده أيامٌ عدة ، إذا هو يُدَلُّ على فتاةٍ مناسبةٍ جداً له ، وبالطبع خطبها أهله له ، رآها أُعْجِبَ بها في اليوم الأول ، عقد القران في اليوم الثاني وسافر في اليوم الثالث ، الذي يلفت النظر أن هذه الفتاة وهي في المطار تودِّع زوجها الذي لم يمض على عقد قرانهما إلا أربعٌ وعشرون ساعة بكت بكاءً مراً في المطار .
قلت في نفسي : إذا كنت أنت في المطار لحاجةٍ ما ، ورأيت إنسان يحمل محفظته ويتَّجه نحو الطائرة ، هل بإمكانك أن تبكي ، البكاء ليس باليد ، أما هذه الفتاة بعد أربعٍ وعشرين ساعة تبكي بكاءً مراً لأن الذي خطبها البارحة اليوم مسافر ، هذا من خلق الله .
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
الإنسان حينما يرى مودةً بينه وبين أهله ، أو حينما ترى المرأة مودةً بينها وبين زوجها ، هذه المودة من خَلْقِ الله عزَّ وجل ، لا تجلبها الأموال الطائلة ، ولا البيت الواسع ، ولا القوام ، ولا الشكل ، ولا الجمال ؛ ولكن يخلقها الله عزَّ وجل ، فإذا كنت مطيعاً لله عزَّ وجل ، الله جلَّ وعلا يخلق هذه المودة بينك وبين أهلك ، أما لو لم تكن مطيعاً لله ، لو وفَّرْتَ كل شيء ، وفرت الأموال الطائلة ، وفرت البيوت الفاخرة ، وفرت المركبة الفارهة ، سخرت كل علم النفس من أجل أن يميل أهلك إليك ، لن تستطيع أن تحدث هذه النتيجة .
الحب حالة نفسية تمثل بالمودَّة التي تعبِّر عنها :
قال تعالى :
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
ما هي المودة ؟ في رأي بعض المفسرين : المودة أثر من آثار الحُب ، إن كان هناك حبٌ بين الزوجين تجسَّدَ هذا الحب بالمودة ، السيدة عائشة رضي الله عنها ، كانت تسأل النبي عليه الصلاة والسلام : كيف حبك لي ؟ فيجيبها ويقول : " كعقدة الحبل " ، أي حب متين ، لا ينفك ، لا يفتر .
ملاحظة أخرى من ملاحظات الإيمان ، الزوجان المؤمنان ينمو حبهما نماءً مُتَّسِقَاً مع الأيام ، أما زواج أهل الدنيا قد يبدأ بحبٍ جارف وقد يفتر هذا الحب إلى أن يقع الخلاف ، والشقاق ، والجفاء ، والبُغْض ، إلى أن يقع السُباب والشتائم ، إلى أن يقع الكيد ، إلى أن ينتهي بالطلاق ، لذلك الزواج الذي يُبْنَى على طاعة الله عزَّ وجل يتولى الله التوفيق بين الزوجين ، ويخلق الله بحكمته البالغة هذا الحب بين الزوجين ، إذاً :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا (21) ﴾
السُكْنَى هناإذاً وجود افتقار عند كل طرف ونقص وحاجة يملؤهُ الطرف الثاني ، ولو أن هذا الأمر بقي عل شكل طرفٍ واحد ، لأصبحت الحياة تعيسةً جداً ، ولكن كِلا الطرفين مفتقرٌ إلى الآخر ، أنا حينما أكون في بعض عقود القِران أدعو بهذا الدعاء : اللهم اجعل كلاً منهما قرة عينٍ للآخر ، أي أن يكون الزوج قرة عينٍ لزوجته ، وأن تكون الزوجة قرة عينٍ لزوجها ، أن يرتاح الإنسان مع أهله ، وسر هذا التوفيق هو طاعة الله عزَّ وجل ، غض البصر يؤدِّي إلى هذا الحب ، وهذا الحب يُجَسَّد بماذا ؟ بالمودة ، الكلمة اللطيفة ، اللفتة اللطيفة ، الإكرام ، الإطعام ، إدخال السرور ، الثناء ، الشكر ، هذه كلها مودة أساسها الحب ، والكلمة القاسية ، واللفتة القاسية ، والعبارة القاسية ، والاشمئزاز ، والبُعْد ، هذا جفاء أساسه البُغض ، البغض حالة نفسية تمثل بالجفوة الخارجية ، والحب حالة نفسية تمثل بالمودَّة التي تعبِّر عنها .
الله تعالى خلق المودة والرحمة معاً في قلب الإنسان :
إذاً معنى مودة كما جاء في بعض التفاسير : ما يجسد الحب الذي يقع بين الزوجين ، وهذا من آيات الله عزَّ وجل . سُئْل النبي عليه الصلاة والسلام :
(( مَن أعظم الرجال حقاً على المرأة ؟ قال : زوجها )) .
[ الجامع الصغير عن "عائشة " بسند فيه ضعف ]
الفتاة قبل الزواج انتماؤها ، وولاؤها ، وحبُّها ، واعتزازها بأبيها ، فإذا جاء الزوج ، ولاؤها ، وحبها ، وانتماؤها ، واعتزازها ، واهتمامها ، لزوجها ، بين عشيةٍ أو ضحاها ، وهذا من سِرِّ الله عزَّ وجل في خلقه .
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً (21) ﴾
فقط مودة ، فإذا كبرت سنها انصرف عنها ، فإذا مرضت مرضاً يمنعه من أن يسكن إليها انصرف عنها ، لا ، فربنا عزَّ وجل قال :
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
لو أنها مرضت ، لو أنها كبرت ، يخلق الله في قلب الرجل إلى جانب المودة الرحمة ، الرحمة أن تبادر إلى مَسْحِ الجراح ، إلى مسح الألم ، إلى إنقاذ الإنسان من ورطة ، أي أنها مشاعر داخلية لا تحتمل رؤية الشقاء البشري ، الطفل الجائع ، أو زوجةمتألمة جداً ، الرجل بحسب الآية يجب أن يبادر إلى معالجتها ، إلى إكرامها ، وكذلك المرأة ، إذاً كلام ربنا دقيق جداً ، ليست قضية مودة ورحمة ، هذه مترادفات ، لا ، ليست مترادفات ، كلام خالق الكون موزون وزناً دقيقاً جداً .
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21) ﴾
المودة إن كانت في صحةٍ طيبة ، وإن كانت في أبهى زينة ، وإن كان زوجها قوياً ، غنياً ، مقتدراً ، بينهما المودة ، المودة تعبيرٌ عما بينهما من حبٍ أودعه الله في قلبيهما بناءً على طاعتهما لله عزَّ وجل ؛ لكن هناك أعراض ، هناك أمراض ، هناك كِبَر ، هناك عاهات ، هناك أمراض عُضالة ، هناك مُشكلات ، لو أن الله عزَّ وجل خلق المودة فقط هذه لا تكفي في بعض الحالات ، خلق المودة والرحمة معاً .
نصيحة أم لابنتها قبل زواجها :
له منظر لا يحتمل ، في قلب الأم رحمة ، فتسعى إلى معالجته ، وتطبيبه :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾
كما أن الشمس والقمر آيتان ، كما أن الليل والنهار آيتان ، كما أن منامكم بالليل والنهار آيتان ، كما أن البَرْقَ والرَعْدَ آياتٌ من آيات الله عزَّ وجل ، كما أن تقوم السماء والأرض بأمره :
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21)﴾
امرأة نصحت ابنتها ، قالت : " يا بنيتي إن الوصية لو تركت لفضل أدبٍ تركت لذلك منك ، ولكنها تذكرةٌ للغافل ومعونةٌ للعاقل ، ولو أن المرأة استغنت عن الزوج لغِنَى أبويها ، أو لشدة حاجتهما إليها لكنتِ أغنى الناس عنه ، ولكن النساء للرجال خُلِقْنَ ولهن خلق الرجال " .
تقول لها : " أي بنيتي إنك فارقت العش التي فيه درجت ، وخلَّفت البيت الذي فيه نشأت ، إلى وكرٍ لا تعرفيه وقرينٍ لا تألفيه ، فاصبح بملكه عليكِ قريباً ومليكاً ، أي بنيتي كوني له أمةً يكن لكِ عبداً وشيكاً ، خُذي عني عشر خصال تكن لكِ ذخراً وأجراً ؛ الصحبة بالقناعة ، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ، والتفقُّدُ لموضع أنفه ، والتعهُّد لموضع عينه ، فلا تقع عينه منكِ على قبيح ، ولا يشم منكِ إلا أطيب ريح ، والكُحل أحسن الحُسْنِ والماء أطيب الطيب المفقود " .
ذم الزوج أمام الأهل والجيران منافٍ للإسلام :
النظافة وحدها تقرِّب النفوس فيما بينها لأن الإنسان ثبت أن لجلده رائحةً عطرة ، فلو نظَّفْتَ الجلد له رائحةٌ ذاتية تغنيه عن دفع الأموال الطائلة لشراء الروائح الطيبة ، والكحل أحسنالحسن والماء أطيب الطيب المفقود . ثم تقول هذه الأم لابنتها :
" وإيَّاكِ والترح إن كان فرحاً والفرح إن كان تَرِحَاً ، فإن الأولى من التقصير والثانية من التكدير ، وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يَكُن أشد ما يكون لكِ إكراماً ، وكوني أشد ما تكونين له موافقةً ، يكن أطول ما يكون لكِ مرافقةً ، واعلمي أنه لن تصلي إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك ، وهواه على هواك فيما أحببت أو كرهت ، والله يُخَيِّرُ لكِ " .
أي أن الإسلام لا ينفصل ، نظام متكامل ، فبيتك ؛ هذا البيت يجب أنيكون إسلامياً ، يجب أن تأتي مواصفاته كما جاء في القرآن الكريم وإلا لست مؤمناً ، مستحيل ، ربنا عزَّ وجل يقول :
﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (21)﴾
أية امرأةٍ تَذُمُّ زوجها بين أهلها ، وبين صديقاتها ، وبين جيرانها هذه امرأةٌ ليست مؤمنةً بالمعنى الذي جاء في هذه الآية ، أين المودة ؟ إنني أكره المرأة كما قال عليه الصلاة والسلام :
(( إنني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها )) .
[ ورد في الأثر ]
وقال :
(( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ)).
[مسند أحمد : عَنْ " ثَوْبَانَ"]
كل شيء خلقه الله له وظيفتان وظيفة نفعية ووظيفة استدلالية :
إذاً هكذا الزواج وهكذا البيت المسلم ، مودةٌ أساسها الحب وحبٌ أساسه الطاعة ، تطيع الله عزَّ وجل فيخلق الله عزَّ وجل بينك وبين أهلك الحب ، الحب يظهر على شكل مودَّة إن كان هناك مشكلة ؛ مرض لا سمح الله ، عَجْز ، شيء طارئ ، شيء يحول بينك وبين أن تكونالمودة فهناك الرحمة ، إما أن تكون ودوداً ، وإما أن تكون رحيماً ، لأن الله عزَّ وجل قال :
﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾
(سورة النحل : من آية " 90 ")
إن لم يسعك العدل ، يسعك الإحسان :
﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾
زواجك آية من آيات الله ، يجب أن تتأمل فيها ، يجب أن تفكر أن الله عزَّ وجل كل شيء خلقه له وظيفتان ، هذه الفكرة أقولها كثيراً ، الزوجة لها وظيفة ، لها وظيفة أنك تسكن إليها ، وبينك وبينها مودةً ورحمة ، تنجب لك الأولاد ، وتعينك على أمر دينك وعلى أمر دنياك ، انتهت وظيفتها ؟ لا والله ، بقيت وظيفتها الأهم ، أن هذه الزوجة دليلٌ لك على الله عزَّ وجل ، لأنها من آياته ، إذاً أي شيء الله عزَّ وجل خلقه له وظيفة نفعية ، وله وظيفة استدلالية ، بها تعرف الله ، وبها تشكره ، لذلك ربنا عزَّ وجل قال :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ﴾
[سورة النساء : من آية " 147 "]
رد الفعل على نِعَمِ الله نوعان شكرٌ ومعرفة ، بما أن الكون ومن ضمن الكون الزوجة ، بما أن الكون قد سُخِّرَ لهذا الإنسان تسخير تعريفٍ وتكريم ، رد فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت فقدحققت الهدف من وجودك ، إذا آمنت وشكرت ، أن تؤمن بالله وأن تشكره ، إن كنت كذلك :
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾
(سورة النساء)
الاختلاط يفسد العلاقات الزوجية :
الآن كل ما قيل في شأن الزوجة لو عُكِسَت الآية فالمعنى صحيح ، أيَّةُ زوجةٍ ومن آيات الله لها أن هذا الزوج مخلوقٌ من طبيعةٍ مشابهةٍ لها ، من آيات الله الدالة على عظمته لها أن بينهما مودةً ورحمة ، فليست الآية خاصة بالرجال ، بالمناسبة كلمة زوج تعني الزوج والزوجة ، وزوج جَمْعُها أزواج والأزواج هم النساء ، إذاً ما قيل من نعمٍ ساقها الله لهذا الرجل من خلال المرأة ، المعاني كلها يمكن أن تقال للمرأة من خلال الرجل .
أيها الأخوة الأكارم الفكرة الأساسية في الدرس ، أن الله عزَّ وجل يصف الزواج بهذه الصفات ؛ هي سكن ، وبينهما مودةٌ ورحمة ، والزواج آية ، فكل إنسان يتفحَّص علاقاته الداخلية ، إن كانت كذلك فهذه بشارة ، وإن لم تكن كذلك فعليه أن يبحث عن الخَلَل ، هل هناك إطلاقٌ للبصر ، هل هناك معصيةٌ تستوجب أن تكون البغضاء والشحناء بين الزوجين ؟ هل هناك مخالفةٌ من قبل الزوجة أو الزوج يقتضي أن يصبح البيت جَحيماً ؟ النبي الكريم يقول لامرأةٍ :
((فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ )) .
[مسند أحمد : عَنِ " الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ"]
الزوج للزوجة جنتها أو نارها ، وكذلك الزوجة للزوج ، إما أن تسعده وإما أن تشقيه ، الإنسان حينما يواجه مشكلة لا ينبغي أن يواجهها بسذاجة ، واجهها في ضوء هذه الآية ، لا بدَّ من خلل ، ابحث عن الخلل ، أي معصيةٍ في البيت ، أية مخالفة ؛ في العلاقات ، في الزيارات ، في اللقاءات ، إذا في اختلاط قد لا تكون المودة والرحمة بين الزوجين ، الاختلاط يفسد العلاقات الزوجية كما يفسد الخل العسل ، لأن الإنسان بشكل طبيعي وبديهي يحب الأكمل ، فلو التقى مع امرأةٍ أجنبيةٍ يقول : هذه أخت زوجتي مثلاً ، لا يوجد أحد غريب نحن أهل ، ابنة حماك غير زوجتك ، فإذا الإنسان سمح لنفسه أن يختلط مع نساء أجنبيات معه ، رُبَّما أفسد هذا الاختلاط العلاقة الزوجية ، عندئذٍ يقرأ الآية لا يراها منطبقةً عليه ، يقول لك : أنا لست سعيداً بزواجي ، أنا شقي ، لا أحب زوجتي ، لا أراها كما ينبغي أن تكون ، ليست ملء سمعي وبصري ، لأنك مخالف .
توجيهات نبوية للأزواج :
الاختلاط يفسد العلاقات الزوجية ، إطلاق البصر يفسد العلاقة الزوجية ، الخروج عن السُنَّة في التعامل بين الزوجين يفسد العلاقة الزوجية ، اقرأ السنة ، اقرأ أبحاث الزواج ، اقرأ آداب الزواج ، هذا شرع ، هذه تعليمات الصانع ، من أجل أن تنال هذا الوصف الدقيق أن تكون الزوجة سكناً للزوج ، وأن تكون المودة والرحمة بينهما سائدةً ابحث عن التوجيهات النبوية ، النبي الكريم يقول :
(( انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ أي يعدل الجهاد في سبيل الله )).
[أخرجه ابن عساكر وأخرجه البيهقى فى شعب الإيمان : عن "أسماء بنت يزيد الأنصارية"]
هذا توجيه نبوي لكل امرأةٍ ؛ خدمتها لزوجها ، ولأولادها ، وحسن إشرافها على أولادها ، وحسن إدارتها للبيت ، وأن تكون زوجةً صالحةً هذا يعدل الجهاد في سبيل الله ، هذا التوجيه ، توجيه الرجال :
((أكرموا النساء فو الله ما أكرمهن إلا كريم ولا أهانهن إلا لئيم ، يغلبن كل كريم ويغلبهنلئيم ، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً )) .
[ ابن عساكر : عن "علي" بسند فيه مقال كبير ]
هذا توجيه الرجال ، التوجيه الثاني :
(( إِذَا أَتَاكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ خُلُقَهُ وَدِينَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ )) .
[من سنن ابن ماجة : عن " أبي هريرة " ]
(( من ترك التزويج مخافة العيلة فليس منا)) .
[ الديلمي : عن " أبي سعيد"]
الذي يحجم عن الزواج لأسباب مادية ليس منا ، ما عرف الله عزَّ وجل ، ما عرف أنه من حق المسلم على الله أن يعينه عند الزواج ، ما شكا إليه رجلٌ ضيق ذات يده إلا قال له : اذهب فتزوج ، إذاً يجب أن نأخذ بأقوال النبي الكريم .
التسامح و المعاشرة بالمعروف أساس الحياة الزوجية السعيدة :
يا ترى ما الذي يفسد العلاقة ؟ إذا دخلت على أهلك فسلِّم عليهن ، سلم ، تسامح ، وعاشروهن بالمعروف ، فليس المعروف أن تمتنع عن إيقاع الأذى بها بل أن تحتمل الأذى منها ، وهي كذلك ، فإذا طبق الزوج وطبقت الزوجة توجيهات النبي عليه الصلاة والسلام سعدا سعادةً كبيرة .
((أيما امرأة خرجت من بيت زوجها بغير إذنه لعنها كل شىء طلعت عليه الشمس والقمر إلا أن يرضى عنها زوجها ))
[الديلمى : عن "أنس"]
(( إِذَا بَاتَتِ الْمَرْأَةُ هَاجِرَةً لِفِرَاشِ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ)) .
[سنن الدارمي : عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ "]
(( أيما امرأةٍ امتنعت عن زوجها تلعنها الملائكة حتى تصبح )) .
[ورد في الأثر]
(( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ )) .
[صحيح البخاري : عَنْ " أَبِي هُرَيْرَةَ "]
هذه هي توجيهات النبي الكريم ، هناك توجيهات خاصة بالنساء ، خاصة بالأزواج ، فنحن يجب أن نعلم ، هذه تعليمات الصانع ، النهاية هذه الآية ، إذا طَبَّقَ الأزواج والزوجات التعليمات النبوية يصبح الأزواج كما وصفهم الله عزَّ وجل :
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) ﴾
الشيء الأخير أن كل شيءٍ خلقه الله لك له وظيفتان ؛ وظيفة نفعية ووظيفة استدلالية ، فإذا انتفعت بالشيء يجب أن تشكر الله ، وإذا كان هذا الشيء دليلاً لك على الله يجب أن تعرفه ، فإذا كنت في طريق المعرفة والشكر أغلب الظن أن الله تعالى لا يعذبك .
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾
(سورة النساء)
والحمد لله رب العالمين