مقال: من دلائل النُّبُوَّة .. خاتم النُّبوَّة           مقال: غزوة ذي قرد .. أسد الغابة           مقال: الرَّدُّ عَلَى شُبْهَاتِ تَعَدُّدِ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           مقال: حَيَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم           برنامج بريد الأسرى: بريد الأسرى - 15 - 04 - 2024           برنامج موعظة ورباط: موعظة ورباط - 06- غزة وخزة ايقاظ- د. عبدالوهاب الطريري           برنامج الكلمة الطيبة 2024: الكلمة الطيبة - علامات قبول الطاعة           برنامج تفسير القرآن الكريم 2024: تفسير مصطفى حسين - 387 - سورة المائدة 004 - 005           برنامج مع الحدث: مع الحدث - 45- إدارة الأزمات والمخاوف- أ. أسامة ملحس -14 - 04 - 2024           برنامج مع الأسرى: مع الأسرى - حلقة45 - 13 - 4-2024         

الشيخ/

New Page 1

     أسباب النزول

New Page 1

أهمية أسباب النزول

25/04/2011 15:02:00

 محمّد أبو العلا الحمزاوي


علم أسباب النزول من أشرف علوم القرآن؛ إذ العلم بالسبب يلزم منه العلم بالمسبب، فمن خلال معرفة أسباب النزول نستطيع أن نقف على معاني القرآن ومناسباته التي نزل فيها، وذلك له فائدة عظيمة في ميدان التشريع والأحكام، وفيه رفعٌ للإشكال في فهم بعض الآيات التي ارتبطتْ بأسباب نزول معينة، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو معلوم ومقرر، ومن ناحية النظم القرآني نقف على دقة التركيب في التعبير القرآني، ووجوه الارتباط بين أجزاء النظم، وكيف ترتبط الآيات ببعضها، وتنسجم وتتلاحم فيما بينها.
"وقد زعم زاعم أنه لا طائل تحت هذا الفن؛ لجريانه مجرى التاريخ، وأخطأ في ذلك" كما يقول الزركشي، والسيوطي[1].
وعن ذلك يقول الواحدي: "... فآل الأمر بنا إلى إفادة المبتدئين المتسترين بعلوم الكتاب، إبانة ما أنزل فيه من الأسباب؛ إذ هي أوفى ما يجب الوقوف عليها، وأولى ما تصرف العناية إليها؛ لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها"[2].
وقال ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية؛ فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب".
وقال ابن دقيق العيد: "بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن"[3].
ومن كلام الشاطبي النفيس حول أهمية سبب النزول في فهم الآيات: "معرفة أسباب التنزيل لازمةٌ لمن أراد علم القرآن، والدليل على ذلك أمران:
أحدهما: أن علم المعاني والبيان الذي يعرف به إعجاز نظم القرآن، فضلاً عن معرفة مقاصد كلام العرب؛ إنما مداره على معرفة مقتضيات الأحوال: حال الخطاب من جهة نفس الخطاب، أو المخاطِب، أو المخاطَب، أو الجميع؛ إذ الكلام الواحد يختلف بحسب حالين، وبحسب مخاطبين، وبحسب غير ذلك، كالاستفهام: لفظه واحد، ويدخله معانٍ أُخرُ من تقرير، وتوبيخ، وغير ذلك، وكالأمر: يدخله معنى الإباحة، والتهديد، والتعجيز، وأشباهها، ولا يدل على معناها المراد إلا الأمورُ الخارجة، وعُمدتُها مقتضيات الأحوال، وليس كل حال ينقل، ولا كل قرينة تقترن بنفس الكلام المنقول، وإذا فات نقل بعض القرائن الدالة، فات فهم الكلام جملة، أو فهم شيء منه، ومعرفةُ الأسباب رافعةٌ لكل مشكل في هذا النمط؛ فهي من المهمات في فهم الكتاب ولا بد، ومعنى معرفة السبب هو معنى معرفة مقتضى الحال، وينشأ عن هذا الوجه:
الوجه الثاني: وهو أن الجهل بأسباب التنزيل مُوقِع في الشُّبه والإشكالات، ومُورِد للنصوص الظاهرة مورد الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مظنة وقوع النزاع"[4].
والأمثلة على ما ذكره هؤلاء العلماء الأجلاء حول أهمية سبب النزول في فهم الآيات، وأن عدم معرفة السبب قد توقع في إشكالات في فهم الآيات، أمثلةٌ كثيرة[5].
هذا؛ وليس المقصود من الكلام السابق أن كل آية قد نزلتْ على سبب، ولا بد من البحث عنه لفهم المعنى ودفع الإشكال، كما تكلف ذلك بعض المفسرين[6]؛ فلقد سبق في المبحث الثالث: أن من أقسام القرآن ما نزل ابتداءً من غير سبب؛ بل هو الأكثر في القرآن كما قرره المحققون من العلماء.
ومن هنا؛ فالرأي السديد، والمنهج الرشيد: عدم الاستهانة بأسباب النزول، وأثرها في فهم النظم القرآني، ودفع الإشكال في فهم بعض الآيات، وفق المنهج الذي قرَّره المحققون من العلماء من قبول ما صحَّ سندُه منها، وارتبط بمضمون الآيات، وجاء في الآثار الصحيحة عن الصحابة ما يؤيد كونَه سببًا لنزول الآية - كما ستعرف من خلال عبارات الصحابة - فهو مقبول، وما ضعف سنده وانقطع، ولم يتصل بنظم الآية وسياقها، أو تعارض معها، ولم يأتِ في الآثار عن الصحابة - رضوان الله عليهم - ما يشهد له بالصحة، فهو مرفوض؛ حفاظًا على نظم القرآن وترابط آياته، وصونًا للقرآن الكريم من أن يتطرق إلى تفسيره سوء الفهم، أو تُحمَل الآيات على غير معانيها الصحيحة، ومقاصدها الشريفة[7].
وفي ذلك يقول الواحدي عبارته المشهورة، والتي نقلها عنه العلماء قديمًا وحديثًا: "ولا يحل القول في أسباب النزول، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدُّوا في الطلاب"[8].

ــــــــــــــــــــــــ

[1] "البرهان" 1/22، و"الإتقان" 1/190.
[2] "أسباب النزول" ص4، 5.
[3] "الإتقان" 1/190، 191.
[4] "الموافقات"، 4/146، ط دار ابن عفان، ط أولى (1417) هـ (1997) م.
[5] منها: ما وقع لعروة بن الزبير في فهم قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 158]، قال هشام بن عروة عن أبيه، أنه قال: قلت لعائشة زوج النبي r وأنا يومئذٍ حديث السن: أرأيتِ قول الله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ فما أرى على أحد شيئًا ألا يطوف بهما، فقالت عائشة: كلا لو كانت كما تقول، كانت: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما)؛ إنما أنزلت هذه الآية في الأنصار، كانوا يهلون لمناة، وكانت مناة حذو قديد، وكانوا يتحرَّجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله r عن ذلك، فأنزل الله: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾؛ أخرجه البخاري في كتاب التفسير.
والأمثلة على ذلك كثيرة، وراجع تفصيلها في: "الإتقان" 1/ 190 - 194، و"الموافقات" 4/ 148 - 152، و"الزيادة والإحسان" 1/ 196، و"التحرير والتنوير" 1/47، و"شرح مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية" ص126 - 129، للدكتور/ مساعد بن سليمان الطيار، ط دار ابن الجوزي - ط أولى (1427) هـ.
[6] كما لا نتفق مع من ذهب إلى التهوين من أسباب النزول، وأهميتها وقيمتها في بيان المعنى وتفسير الآيات، فضلاً عن مدخلها في إعجاز النظم، وهو ما ذهب إليه الشيخ محمد عبده فيما نقله عنه الشيخ رشيد رضا في بعض المواضع من "تفسير المنار" 2/56، 229، ويقول الدكتور/ عبدالله شحاتة: "واستهان الشيخ محمد عبده بأسباب النزول، ولم يعول عليها كثيرًا بسبب اشتمالها على الصحيح والعليل، واختراع بعض الناس أسبابًا لنزول الآيات، والحقُّ أنه لا طريق لمعرفة أسباب النزول، إلا النقل عن الصحابة الذين عاصروا الوحي والنزول، ووقفوا على الأسباب والملابسات، التي أحاطت بنزول الآيات، وسمعوا من الرسول r ما لم يسمعه غيرهم، فعنهم وحدهم يؤخذ هذا العلم، وإلى هذا أشار الواحدي بقوله: "ولا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها وجدوا في الطلاب"؛ "علوم القرآن" ص89.
[7] يقول ابن عاشور في المقدمة الخامسة لتفسيره حول (أسباب النزول): " أولع كثير من المفسرين بتطلُّب أسباب نزول آي القرآن، وهي حوادث يروى أن آيات القرآن نزلت لأجلها؛ لبيان حكمها، أو لحكايتها، أو إنكارها، أو غير ذلك، وأغربوا في ذلك وأكثروا، حتى كاد بعضهم أن يوهم الناس أن كل آية من القرآن نزلت على سبب، وحتى رفعوا الثقة بما ذكروا؛ بَيْدَ أنا نجد في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعتْ إلى نزولها، ونجد لبعض الآي أسبابًا ثبتت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك رأي الناقل، فكان أمر أسباب النزول دائرًا بين القصد والإسراف، وكان في غض النظر عنه، وإرسالِ حبله على غاربه خطرٌ عظيم في فهم القرآن... ولكنى لا أعذر أساطين المفسرين الذين تلقفوا الروايات الضعيفة فأثبتوها في كتبهم، ولم ينبهوا على مراتبها قوة وضعفًا، حتى أوهموا كثيرًا من الناس أن القرآن لا تنزل آياته إلا لأجل حوادث تدعو إليها، وبئس هذا الوهم؛ فإن القرآن جاء هاديًا إلى ما به صلاح الأمة في أصناف الصلاح، فلا يتوقف نزوله على حدوث الحوادث الداعية إلى تشريع الأحكام.
نعم إن العلماء توجسوا منها، فقالوا: إن سبب النزول لا يخصص، إلا طائفة شاذة ادعت التخصيص بها، ولو أن أسباب النزول كانت كلها متعلقة بآيات عامة، لما دخل من ذلك ضر على عمومها؛ إذ قد أراحنا أئمة الأصول حين قالوا: "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، ولكن أسبابًا كثيرة رام رواتها تعيين مرادٍ؛ من تخصيص عام، أو تقييد مطلق، أو إلجاء إلى محمل، فتلك التي قد تقف عرضة أمام معاني التفسير قبل التنبيه على ضعفها أو تأويلها، وقد قال الواحدي في أول كتابه في "أسباب النزول": "أما اليوم، فكل أحد يخترع للآية سببًا، ويختلق إفكًا وكذبًا، ملقيًا زمامه إلى الجهالة، غير مفكر في الوعيد"، وقال: "لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل"؛ "التحرير والتنوير" 1/46، 47 باختصار، و"أسباب النزول" ص 5، 6.
[8] "أسباب النزول" ص 5.
  



جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011
تطوير: ماسترويب